الرئيسيـة

من مذبحة 86 إلى إفشال انضمام الجنوب إلى دول الخليج .. سجل دموي لرجل بلا محاسبة

شقرة نيوز _ أبين _ السبت، 21 يونيو 2025

بقلم: حسين السعدي

في مقابلة تلفزيونية صادمة، خرج الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية علي ناصر محمد باعتراف علني حول إفشاله مبادرة سعودية كانت تستهدف انضمام الجنوب إلى مجلس التعاون الخليجي عام 1989، وهو المشروع الذي مثّل حينها بارقة أمل تاريخية لشعب الجنوب لإعادة بناء ذاته بعد سنوات من النزيف السياسي والصراعات الداخلية التي ادارها علي ناصر واشعل فتيلها في يناير 1986م .

ما كشفه علي ناصر، وبكلمات واضحة وصريحة، أعاد إلى الواجهة سيرة طويلة له من الانقلابات والتصفية والتآمر السياسي، لتتحول إلى قضية رأي عام تستدعي ليس فقط المراجعة، بل المحاسبة.

بحسب اعترافه، كان وفد خليجي رسمي على وشك زيارة عدن لمناقشة إدماج الجنوب ضمن الإطار الخليجي، في الوقت الذي كانت فيه صنعاء قد التحقت بتحالف عربي ثلاثي يضم العراق ومصر والأردن. غير أن علي ناصر، كما صرّح، رأى أن المشروع الخليجي سيجري “على حسابنا”، في إشارة إلى مصالحه الشخصية، فبادر إلى إفشاله بالتواصل مع أطراف شمالية، من بينهم وزير الخارجية عبدالكريم الإرياني، ونسّق زيارة مفاجئة للرئيس الشمالي علي عبدالله صالح إلى عدن بالتزامن مع زيارة الوفد الخليجي.

مما أدى إلى إجهاض المشروع تماماً. الأخطر من ذلك أن علي ناصر أقرّ بمشاركته في صياغة البيان الصحفي لتلك الزيارة التي تمّت دون علم القيادة الجنوبية، في مناورة سياسية تخريبية رسمت نهايات مخيبة لخروج عدن والجنوب من خراب ودمار تسببه جنون وانانية علي ناصر نفسه.

هذا الاعتراف يفتح نافذة كبيرة على سجل معقّد ودامٍ للرجل، منذ صعوده إلى السلطة في أواخر السبعينيات بعد أن قاد انقلاباً داخلياً أطاح بالزعيم الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين)، والذي أُعدم بتهم واهية وزائفة، في مقدمتها وقوفه وراء اغتيال الرئيس الشمالي أحمد الغشمي.

بعد ذلك، بدأ علي ناصر محمد مشروعه السياسي القائم على احتكار السلطة وتصفية زملائه في السلطة والحزب كخصوم طالما وانهم في نظره يقدمون النظام والقانون على شخصه، حيث جمع بين مناصب الأمين العام للحزب الاشتراكي، ورئيس مجلس الرئاسة، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب الأعلى، ما جعله الحاكم المطلق بلا منازع.

ولم تتأخر الكارثة، ففي يناير 1986، اندلعت الحرب الأهلية الأكثر دموية في تاريخ الجنوب، بفعل تفجيره خلافًا داخليًا عبر حملة قمع دموية ضد قيادات في الحزب كانت تطالب بتقليص سلطاته المطلقة.

الحرب التي اشعل فتليها علي ناصر وقادها من موقع الهجوم العسكري الغادر انتهت بهزيمته. لكن الجنوب لم ينجُ. فقد خلّفت تلك الحرب ما يقرب من 13 ألف قتيل وجريح ومفقودين، ودُمرت على إثرها مؤسسات الدولة، ما سهّل لاحقًا فرض مشروع الوحدة الاندماجية القسرية مع الشمال في 1990م .

هرب علي ناصر محمد إلى صنعاء، حيث احتُضن سياسياً من نظام علي عبدالله صالح، ثم انتقل إلى دمشق لاجئاً سياسياً، لكنه لم ينقطع عن التحريض والعبث بالشأن الجنوبي من الخارج.

فخلال العقود التي تلت، ظل علي ناصر محمد حاضراً في المشهد الجنوبي كأحد رموز العبث السياسي اليمني، مستفيدًا من مظلة “الرئيس السابق” دون أن يتعرض لأي مساءلة أو محاسبة، رغم سجلّه الأسود في إشعال الحروب وارتكاب جرائم فضيعة، وإفشال مشاريع التنمية، والتحالف مع خصوم الجنوب ضد قضاياه الوطنية وتلاحمه واسطفافه.

وما يجعل ظهوره الإعلامي الأخير أكثر خطورة هو نبرة التفاخر غير المواربة، حيث استعرض مواقفه السياسية الدموية المدمرة للجنوب كأنها إنجازات، ضاحكًا على كارثة كان يمكن أن تنقذ الجنوب من مسار الانهيار الذي تسببه هو، ومتحاشيًا أي حديث عن مذبحته 1986 أو اغتيال رفاقه أو إجهاض مشروع الجنوب الخليجي.

في الأوساط السياسية والحقوقية الجنوبية، بات علي ناصر محمد يُلقّب بـ”شارل تايلور الجنوب”، تشبيهًا بالرئيس الليبيري الذي تسبب بحربين أهليتين في بلاده وارتكب فظائع بحق شعبه من أجل البقاء في السلطة. تايلور لم يُترك ليموت على كرسيه، بل أُلقي القبض عليه، وحوكم أمام المحكمة الخاصة بسيراليون، ثم أُدين في 2012 بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وحُكم عليه بالسجن لخمسين عاماً، في سابقة اعتبرت تاريخية لردع الحكّام المتورطين في الحروب الأهلية.

الرؤية لقانونية: هل يمكن محاكمة علي ناصر محمد دولياً؟

من الناحية القانونية، فإن جرائم علي ناصر محمد، حسب توصيف مختصين في القانون الجنائي الدولي، يمكن تصنيفها ضمن فئتين: جرائم ضد الإنسانية، وجرائم سياسية ذات آثار مدمرة عابرة للزمن. تشمل الأولى إشعال حرب داخلية أدت إلى مذبحة راح ضحيتها آلاف المدنيين دون أي مسوغ قانوني، والثانية ترتبط بإفشال مشاريع دولية كانت تهدف لتحقيق السلام والاستقرار، عبر الخداع السياسي والتآمر مع قوى معادية للجنوب.

فلولا افشاله مشروع انظمام الجنوب الى مجلس التعاون الخليجي ما كان لدى شعب الجنوب عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والمخفيين خلال حروب جهادية شنت عليه في 1994م وفي 2015م بل ما اصبحت ابين التي هي مسقط رأس علي ناصر مسرح للارهاب المصدر الى الجنوب. ابين التي كانت وستظل المصدر والرافد القيادي السياسي والعسكري والعلمي والثقافي والزارعي للجنوب.

الى نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ينبغي حث الخطا والدفع بهذا المجرم فهناك إلا أن هناك مداخل قانونية أخرى ايضا، منها إحالة قضيته عبر مجلس الأمن الدولي، أو اللجوء إلى المحاكم الأوروبية التي تعتمد مبدأ “الاختصاص العالمي”، مثل ألمانيا أو هولندا أو السويد، والتي سبق أن نظرت في قضايا ضد شخصيات من رواندا وسوريا ويوغوسلافيا السابقة.

كما يمكن تشكيل محكمة جنوبية خاصة ضمن مشروع العدالة الانتقالية، كإطار قانوني يوازي العدالة الدولية، لكنه ينبع من إرادة شعبية ويعكس الذاكرة الجمعية للضحايا والناجين.

ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر أولًا إعداد ملف قضائي موثق بالأدلة، من شهادات ضحايا حرب 1986، إلى وثائق التنسيق مع صنعاء لإفشال زيارة مجلس التعاون، إلى بيانات التصفية السياسية التي رافقت حكمه وتحريضه ومساعيه لاستهداف النسيج الاجتماعي. ويمكن لهذا الملف أن يشكل نواة لجهود قانونية وحقوقية تنتهي إما بمحاسبة دولية، أو عزلة سياسية كاملة.

غضب واستهجان شعبي

في ظل غياب أي خطوات رسمية لمحاسبة علي ناصر محمد حتى الآن، سيتصاعد الغضب الجنوبي من استمرار تحركاته السياسية والإعلامية وادارته لمشاريع التمزيق والصراع الداخلي، والتي يرى فيها كثيرون أنها امتداد لمشروع تدمير الجنوب لا مجرد آراء شخصية. فهناك دعوات حقوقية وشعبية داخل الجنوب لتدويل قضيته، واعتبار ما ارتكبه من جرائم لا يسقط بالتقادم.

وعلى المجلس الانتقالي رفع جفون غض الطرف على اعتبار ان ذلك قد يشكل سببا لتصدعات في المجمتع وهذا ليس صحيح فأبناء ابين وانا منهم لا يرون في على ناصر الا مجرم حرب قتل كوادر ابين من الزعيم سالم ربيع علي الى عشرات المشائخ قبل ان يتوسع مذبحه كل الجنوب كذلك الحال بالنسبة لشبوة التي طالها اجرام علي ناصر قبل ابين وكل الجنوب وابناء العوالق وبيحان والخليفي ولمقموش لهم في كل بيت مآتم قديمة تسببها علي ناصر.

وخلاصة لما سبق إن ما يحتاجه الجنوب اليوم ليس مجرد إدانة أخلاقية للرجل، بل خطوات قانونية وسياسية تعيد الاعتبار لآلاف الضحايا الذين سقطوا نتيجة قراراته الفردية وتحالفاته المدمّرة وانانيته ونزعته الدموية. فلا معنى لمفهوم العدالة إذا ظل أمثال علي ناصر محمد خارج قوس المحاسبة، يتموضعون بين مشاهد السياسة كأنهم من رموز التاريخ، بينما دماء الأبرياء لا تزال تروي الأرض التي حكمها يوماً بالمذابح والمؤامرات ومازال يطل عليها بذات النزعة والحقد.

وصدقوني إذا كان العالم قد شهد محاكمة “شارل تايلور” في لاهاي، فإن محاكمة “شارل تايلور الجنوب” في أي محفل دولي أو شعبي ليست ترفًا، بل استحقاق تاريخي لا يمكن التهاون فيه. العدالة قد تتأخر، لكنها لا تسقط، والجنوب لا يمكن أن يُبنى على أنقاض ذاكرته المستباحة والمنهوبة ايضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى